11/1/11

القرضاوي لبابا الفاتيكان

القرضاوي لبابا الفاتيكان: دع المسيحيين يتعايشون مع المسلمين


إعداد

حسن الأشرف

ناقشت حلقة برنامج الشريعة والحياة التي تقدمها شبكة الجزيرة الفضائية ليوم الأحد 9-1-2011م أسباب الشحن الطائفي والتوتر في العلاقة بين بعض المسلمين والمسيحيين، والتي تُعزى أساسا إلى التدخلات الأجنبية التي تزعم حماية حقوق الأقليات في البلدان الإسلامية.

وتطرقت الحلقة إلى الحلول التي لا يمكن أن تتأتى إلا بجلوس جميع الأطراف إلى طاولة الحوار حول كافة القضايا المتبادلة بالتي هي أحسن من أجل إتاحة مساحات واسعة من العيش المشترك.

واستنكر الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، ضيف الحلقة ، تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة بخصوص ضرورة حماية المسيحيين في البلاد الإسلامية، مشددا على أنه ينبغي عليه الكف عن هذه التدخلات المثيرة للفتن، وترك المسيحيين يعيشون مع المسلمين ويحلون مشاكلهم معهم بالحوار والتواصل، وذلك في عهدة ورعاية الدول التي تحتضنهم جميعا.


نظرة تاريخية

وبدأت هذه الحلقة ـ التي كانت مخصصة لموضوع "المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك" ـ بإشارة تاريخية تناول فيها الدكتور القرضاوي العلاقات بين المسلمين وغيرهم ونظرة الإسلام إلى أهل الديانات الأخرى، حيث أفاد أن الإسلام جاء ليدعو الناس جميعا بمختلف أطيافهم وعقائدهم بكل رحمة وعدل مصداقا لقوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.." و "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض.. " وغيرها من الآيات الكريمة.

وأكد القرضاوي على أن الإسلام جاء ليدعو العالمين بمنهج الموعظة الحسنة بالنسبة للموافقين، وبمنهج الجدال والحوار بالتي هي أحسن مع المخالفين، مشيرا إلى أن الإسلام ظل طيلة 13 عاما يُصب عليه الأذى من كل جانب حتى اضطر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة حين رأى أنها بيئة مناسبة خاصة أن حاكمها ملك عُرف بالعدل..

وعرج ضيف البرنامج على مرحلة القتال في عهد الرسول الكريم وصحابته الأخيار، مبرزا أنها مرحلة كانت مفروضة على المسلمين: "كُتب عليكم القتال وهو كره لكم.." وقاتلوا على صعيد جبهات مختلفة؛ الجبهة الوثنية والجبهة اليهودية والجبهة المجوسية والجبهة النصرانية، فكان أن دخل الإسلامَ العديدُ منهم إما بالقتال أو بالمسالمة.

وأردف القرضاوي أن سكان تلك البلاد كانوا قد سئموا من حكم الرومان وغيرهم ورحبوا بعدالة الإسلام ومساواته وتكريمه لأهل الكتاب، باعتبار أن الإسلام عامل هذه الفئة معاملة قمة في التسامح حيث أجاز مآكلتهم ومصاهرتهم..

وقال القرضاوي: إذا كان الإسلام قد أباح للمسلم أن تكون زوجته وموضع سره يهودية أو نصرانية فهذه قمة التسامح، وقد قال الله تعالى: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان".

مكانة الأقباط

وحول سؤال لمقدم البرنامج حول ما الذي تغير إذن في علاقة المسلمين بغيرهم من الديانات الأخرى خاصة المسيحيين؟ أجاب القرضاوي بأن أصل تلك التوترات تُعزى إلى مؤثرات خارجية أفسدت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، من قبيل الحروب الصليبية التي أطلق عليها المؤرخون المسلمون اسم حروب الفرنجة.

وعاد القرضاوي ليسجل بأن أقباط مصر لهم مكانة خاصة في الإسلام، حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأقباط مصر خيرا، ومن ذلك قوله: "الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله"، وقوله أيضا: إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة و رحما.


وتحدث عن كون التعاليم الإسلامية تدعو إلى المحبة والتعاون وتحث على البر والتقوى، وبأنه لا يوجد فيها ما يؤذي أحدا، فكل ما يُطلب من غير المسلمين الامتثال لقوانين الشريعة الإسلامية التي ليس فيها إكراه ولا إجبار على تطبيقها.


استنكار لتصريحات البابا


وفي محور تصريحات بابا الفاتيكان التي طالب فيها بحماية الأقليات المسيحية في البلاد الإسلامية، عبر القرضاوي في الحلقة ذاتها عن استنكاره لمثل هذه التصريحات التي تثير الفتنة أكثر مما تساعد على التهدئة والتعقل

وأضاف: أقول للبابا إنك لن تحمي المسيحيين في بلاد الشرق الأوسط، بل إن المسلمين هم من الذين يحمونهم لأنه فرض عليهم حماية هذه الأقلية، وتدخل مثل هؤلاء هو الذي يفسد الأقليات ويفسدون أقباط المهجر..اكفنا شَرّك ودعنا نعيش بعضنا مع بعض ونحل مشاكلنا لوحدنا…".

وتأسف القرضاوي على أن الأمور تُترك ليتدخل فيها الغُلاة سواء كانوا غُلاة المسلمين أو غلاة المسيحيين، مشيرا إلى أن الناس إذا تركوا شؤونهم لهؤلاء الغلاة لن يجنوا سوى الدمار وهلاك الحرث والنسل والضرع..

وزاد بالقول إن المشكلة تكمن في أن الأطراف المعنية لا يجالسون بعضهم بعضا بدعوى أنه لا ينبغي إثارة بعض القضايا الحساسة، مشددا على أنه يجب معاجلة الخلافات بصراحة من طرف أهل الحكمة والعقل.

وتدخل في هذا السياق جمال أسعد عبد الملاك، مفكر قبطي وعضو مجلس الشعب بمصر، والذي تحدث عن المناخ الطائفي الذي في مصر ساد منذ سنوات السبعينيات، وجعلهم يهاجرون إلى الكنيسة مما جعلها تأخذ دورا سياسيا غير دورها الروحي

وتابع المتحدث أن الدولة المصرية استكان لهذا الوضع، فتنازل عن مواطنيه الأقباط لفائدة مؤسسة دينية، الأمر الذي حول مشاكل الأقباط من مشاكل سياسية لمواطنين مصريين إلى مشاكل طائفية.

واتفق جمال عبد الملاك مع القرضاوي في ما ذهب إليه بخصوص التدخلات الأجنبية التي أفضت إلى هذا الجو المشحون بالطائفية، وقال بأنه منذ الحملة الفرنسية ظهرت حجة حماية حقوق الأقلية الدينية بمصر، مبرزا أن المشاكل التي يعيشها الأقباط ليست اضطهادا، وإنما مشاكل لا ولن تُحل إلا على أرضية مصرية محلية.

خطاب ديني متوتر

وبخصوص محور الخطاب الديني المتوتر ومسؤولية ما يجري من فتن طائفية في المنطقة، أجاب القرضاوي بأن الخطاب المتطرف لا يمثل جماعة المسلمين كما أن الخطاب القبطي المتشدد لا يمثل جماعة الأقباط، وإنما الاعتماد هو على خطاب الوسط.

واستدل المتحدث على وسطية وسماحة الإسلام بحادثة للرسول صلى الله عليه وسلم حين مرت عليه جنازة ميت، فقام واقفا احتراما للميت، فقيل له يا رسول الله إنها جنازة ميت، فرد الرسول الكريم: أليست نفسا؟



واستطرد القرضاوي بأن الإسلام يقرر أن اختلاف الناس في الأديان هو من مشيئة الله تعالى، فلو شاء الله أن يجعل الناس جميعا مؤمنين لخلقهم مثل الملائكة، وقد قال الله في محكم بيانه موضحا اختلاف العقائد والملل والنحل: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم...".

وخلص ضيف البرنامج إلى أن ضلال الناس أو كفرهم ليس للمسلمين مسؤولية عنه ولا عن حسابهم، فالله هو الذي سيحاسب الجميع يوم القيامة: "وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون".

وأقر القرضاوي أنه قد يؤثر الخطاب الديني المتوتر أحيانا على بعض الناس، لكن في الغالب الأعم يميل الشارع المسلم إلى الوسطية ويحذر من الغلو والتطرف.



العيش المشترك


وفي محور "العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين"، تطرق العالم إلى أن هذه المسؤولية يتحملها الجميع مسلمين ومسيحيين، لكن المسلمين لهم مسؤولية أكبر باعتبار أنهم الأكثرية وعليهم احتضان الأقلية.

وأردف القرضاوي بأن المسؤولية تقع بالخصوص من ضمن المسلمين على أهل الرأي والحكمة وليس على الدهماء، مستشهدا بقول الله تعالى في سورة النساء: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم"

وقال إن المسلمين والمسيحيين مشتركون في وطن واحد حيث يستمتعون جميعهم في خيراته وينبغي عليهم الدفاع عنه في حالة إصابته بسوء أو شر، فمئات القضايا تتطلب من الطرفين العيش المشترك.

وتدخل الأب جورج مسوح أستاذ علوم الأديان في جامعة البلمند في بيروت ليرفض تصريحات بابا الفاتيكان، موضحا أن حماية المسيحيين هو من مسؤولية الدولة التي عليها حماية المسلمين والمسيحيين معا، وبأن هذه الحماية تؤمنها الدولة العادلة التي تساوي بين مواطنيها..

وتحدث مسوح عن هجرة المسيحيين من الشرق بسبب التدخلات الأجنبية من قبيل الكيان الصهيوني الذي أفرغ فلسطين من المسيحيين أو الاحتلال الأمريكي الذي أفرغ العراق من المسيحيين.

وطالب المتحدث بضرورة تغيير بعض القوانين من أجل تحسين أوضاع المسيحيين من قبيل بناء الكنائس، وذلك لتجسيد المساواة بين المسلمين والمسيحيين حتى تكون هناك شراكة حقيقية بينهما.

وأعرب القرضاوي عن موافقته لفكرة إعادة النظر في بعض القوانين بحكم أن هناك آراء فقهية تتغير بسبب تغير الزمان والمكان والأحوال، مضيفا أن النصاري يتزايدون ويتكاثرون، وليس من المعقول أن تظل الكنائس القديمة على حالها.